اسماعيل الحلوتي
أعطيت كما هو معلوم انطلاقة النسخة السابعة من الإحصاء العام للسكان والسكنى برسم سنة 2024 تحت شعار "الغد بين أيدينا" صباح يوم الأحد فاتح شتنبر والتي ستستمر إلى غاية نهايته في 30 شتنبر 2024، وهي دعوة للتفاؤل بالمستقبل وتذكير بكون بناء الغد رهين بالالتزام والمسؤولية الفردية والجماعية. والإحصاء العام عملية تستهدف دراسة تطور مجتمع السكان، معدل النمو، معرفة معدلات المواليد والوفيات، خصائص المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والمهنية، من خلال تعداد السكان والمساكن بشكل يساهم بفعالية في جمع ونشر الإحصائيات الأساسية بما تشتمل عليه من بيانات ترتبط بالعمر والنوع والعلاقة برب الأسرة، وعدد آخر من الخصائص مثل التعليم والمهنة...
ففي الندوة الصحفية المخصصة للإعلان الرسمي عن انطلاق "إحصاء 2024" التي عقدتها المندوبية السامية للتخطيط يوم الخميس 29 غشت 2024، باعتبارها الجهة الساهرة على سير وتنظيم هذه العملية الوطنية الكبرى، تم الكشف عن تفاصيل الميزانية التي رصدت لها، حيث قدرت التكلفة الإجمالية بمليار و46 مليون درهم منذ انطلاق الأعمال الخرائطية، موزعة بين تعويضات المشاركين والوسائل المادية واللوجستية، بالإضافة إلى الوسائل التكنولوجية، المتمثلة في 55 ألف لوحة إلكترونية حديثة ومطورة خصيصا بتطبيقات الإحصاء، تم توزيعها على الباحثين والمشرفين والمراقبين. وسعيا منها إلى تحقيق الهدف الأسمى من رقمنة عملية الإحصاء وفق التعليمات الملكية السامية، اختارت المندوبية أن تكون اللوحات الإلكترونية ذات جودة عالية، وحرصت على اقتنائها من شركة عالمية رائدة في صناعة الإلكترونيات وأجهزة الاتصالات، على أن يعاد تسليمها بعد انتهاء الفترة المخصصة لعملية الإحصاء بمختلف الجهات والأقاليم، لوزارة التربية الوطنية قصد الاستفادة منها في عمليات التعليم والتعلم.
وفي إطار تفاعله مع أسئلة نساء ورجال الإعلام خلال الندوة الصحفية، أكد أحمد الحليمي علمي المندوب السامي للتخطيط، أن الإحصاء العام يعد من العمليات ذات الطابع الاستراتيجي التي ستمكن من رسم صورة واضحة عن مجموع السكان والسكنى بالمغرب، وتعتمد هذه العملية على منهجية حديثة في توفير معطيات دقيقة وشاملة، من شأنها خدمة أهداف النموذج التنموي الجديد والتنمية المستدامة، وزاد موضحا بأن التحضير لهذا الحدث الهام تطلب حوالي سنتين من العمل الجاد والدؤوب. وبخصوص الموارد البشرية المشاركة فيه، أشار إلى أن المندوبية قامت بانتقاء وتكوين 55 ألف مشارك، عبر مرحلتين من التكوين لضمان جودة وكفاءة جمع البيانات. كما تطرق كذلك إلى الأشغال الخرائطية التي تم اعتمادها في تقسيم التراب الوطني إلى مناطق إحصائية بدقة متناهية، فضلا عن توفير التأمين للمشاركين ووسائل النقل اللازمة، مشددا على ضمان سرية وأمان المعلومات الخاصة بالمواطنين.
فالإحصاء العام للسكان والسكنى الذي تشكل الرسالة الملكية الموجهة لرئيس الحكومة عزيز أخنوش في شهر يونيو 2024 خارطة طريق مهيكلة، عملية ذات بعد سيادي، إذ أنها ليست فئوية ولا حكومية ولا للمعارضة، وإنما تهدف بالدرجة الأولى إلى تيسير مأمورية السلطات العمومية في بلورة سياسات عمومية أكثر استهدافا وفعالية ونجاعة، للمضي قدما في مسار التنمية وإرساء أسس الدولة الاجتماعية. وذلك من خلال التعرف على مناطق التركيز السكاني حسب الجنس والعمر وغيرهما من المعطيات والمتغيرات الطارئة، وكذا معرفة عدد السكان الذين يعيشون حاليا داخل المغرب وكم سيكون عددهم في المستقبل، من أجل التخطيط الأمثل واتخاذ أفضل القرارات المناسبة فيما يتعلق بالبنية التحتية، مثل بناء المدارس التعليمية والمستشفيات والطرق وما إلى ذلك من مرافق حيوية ضرورية.
وبعيدا عن إثارة النعرات والمزايدات السياسوية التي يحلو للبعض إشعال فتيلها في مثل هذه الاستحقاقات الوطنية، وبصرف النظر عن كل ما من شأنه الحيلولة دون تجاوز النواقص والاختلالات القائمة، فإننا نؤكد على أن لعملية الإحصاء جانبا سياديا كما قال المندوب السامي للتخطيط، يتمثل في التزام المغرب مع الهيئة الأممية لإنجازها، كما تقتضيه الأمم المتحدة وفق جميع القيم الدولية، ونفس المفاهيم والقيم والمصطلحات، وبمنهجية موحدة، تعتمد ذات المعايير التطبيقية بين جميع الدول.
إننا وبناء على ما يوليه عاهلنا المفدى محمد السادس من بالغ الأهمية لهذه العملية الوطنية الكبرى، ندعو جميع الأسر والأفراد وكافة وسائل الإعلام الوطنية العامة والخاصة وغيرها، إلى ضرورة تقدير حجم المجهود الوطني والميزانية المخصصة لعملية الإحصاء، والانخراط بكثافة في القيام بواجبهم الوطني وأداء دورهم المجتمعي، من أجل إنجاح "إحصاء 2024" وتحقيق ما سطر له من أهداف إنسانية ومستقبلية، تكريس ثقافة المسؤولية وتجسيد قيم التعاون والتضامن، والتشجيع على استقبال الأشخاص المكلفين بالإحصاء في أحسن الظروف، وتزويدهم بكل المعطيات السليمة بحس وطني صادق وروح المسؤولية.