فرخانة في 06/08/2015
ذ .محمد الفصيح –حارس عام ،الثانوية التأهيلية فرخانة الناظور
مثّلت المدرسة المغربية العمومية –على الدوام-الحضن الضامن للإستقرار والأمن من غوائل الحياة ،التي عانى منها الآباء والأجداد أيام الحجر والحماية .فمنذ الإستقلال والآمال تحذو النفوس والقلوب ،في الإنعتاق والتحرّر من الفقر وآثاره المدمّرة ،كما تلازم هذا الإحساس بالمسا واة مع نظرائهم من الأغنياء والميسورين الذين حاباهم المستعمر ،وجاملهم بتوفير فرص التعليم والإرتقاء في السلّم الإجتماعي .
والحديث عن الإنصاف الآن، بعد مرور عقود من زمن الاستقلال، لهو دليل على استمرار مظاهر الحيف والغبن ، وغياب تكافؤ الفرص وهيمنة الاحباط . خاصة بعد الفشل في مواعيد الإصلاح والتعثر في إقرار المبادئ الأربعة : التعميم، التعريب، التوحيد، المغربة.
يتداخل الحديث عن قضايا التعليم في مغرب الاستقلال، بين السياسة العامة و السياسة التعليمية ،و تكاد تفصح التقارير والمخطّطات الخماسية والرباعية السالفة، عن الخيارات السياسية التي رهنت قاطرة التربية والتعليم، والتي ظلّت تراوح مكانها، لاتبرحه إلا لتعود اليه من جديد.
وها نحن اليوم امام تسمية تقريرالمجلس الاعلى للتعليم الأشياء بمسمّياتها، حيث يعلن صراحة أن مدرستنا المرغوب فيها، هي بعنوان الإنصاف وتكافؤ الفرص.
ولكن بأيّة خلفية؟ وأي استعداد وجاهزية لتجاوز المعيقات ومعانقة الأهداف والغايات؟
رافعات الإنصاف :
تتضمن وثيقة تقرير المجلس الأعلى للتعليم ثمان رافعات لتحقيق الإنصاف في المدرسة العمومية :
- التحقيق الفعلي لمبدأ المساواة في ولوج التربية والتكوين .
- الزامية التعليم الأوّلي وتعميمه.
- تعميم وتنمية التمدرس بالاوساط القروية وشبه الحضرية وتخويلها تمييزا ايجابيا.
- تامين الحق في ولوج التربية والتكوين للمعاقين وذوي الحاجات الخاصة.
- التمكين من استدامة التعليم وبناء المشروع الشخصي .
- تمكين المؤسسات من التأطير اللّازم، ومن التجهيز والبنايات.
- تحقيق الجودة والجاذبية للمؤسسات.
- التعليم الخاصّ والعام في شراكة من أجل التعميم والإنصاف.
ملاحظات واقتراحات :
إذا كانت هذه المبادرات /الرافعات التي ستحقق مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص ،تقرّر للمرّة الأولى أوالثانية ،في تاريخ المغرب المستقل ،فإنّه يمكن أخذ ذلك على محمل الجدّ والإنتظار ،أمّا إذا استقرءنا التاريخ القريب ،ونبشنا في الذاكرة ،والوثائق القديمة والحديثة ،فإنّنا نصاب بانكسار وخيبة أمل ،لإنّ ماقيل في السابق ،وما دوّن ،وما سجّل في المناظرات والمنتديات ،كفيل برفع مستوى التربية والتعليم إلى مراتب ومراقي تضاهي الأمم .
لكن ما تبقّى في المحصّلة ،يجعل الملاحظ يتوجّس ويظنّ أنّ وراء الأكمة ما وراءها !!!
و ذلك ما جعل كثيراً من المهتمّين يجزمون على أنّ التعليم المغربي يتحمّل وزره القرار السياسي أوّلا ،والباقي مجرّد تفاصيل .
وحتى لا تنطبق علينا قاعدة السذاجة التي هي عمل نفس الأمر ،بنفس الطريقة ،وتوقّع نتيجة مختلفة ،وعملا بقولة أحد الفلاسفة الفرنسيين "يجب أن نكون متشائمين نظرياً متفائلين عملياً" يظلّ النظر في الموضوع التعليمي شأناً عامّاً ،ومن ثمّ فإنّ الرافعات المنصوص عليها أعلاه ،تطرح على مسؤولي القطاع تبعات الأجرأة ،وعلى الممارسين في المدرسة مسؤولية التفعيل .
وعليه كيف يمكن تحقيق الرافعة الثانية "إلزامية التعليم الأوّلي وتعميمه " إذا كنّا نشكو من ظاهرة الإكتظاظ في التعليم الأساسي ؟ !!! كما أنّ تخلّي الحكومة الحالية عن ميزانية الإستثمار المقدّرة بالملاييرفي القطاعات العمومية ،يزكّي التشاؤم من القيام بأية إلزامية .
أمّا الرافعة الثالثة "تنمية و تعميم التمدرس في العالم القروي والشبه الحضري وتخويله تمييزاً إيجابياً "فهي مبادرة ثمينة ،زادها خطاب العرش الأخير للذكرى 16،أهمية واعتباراً ؛حيث دعا إلى إنصاف العالم القروي بشكل خاص ،وهكذا سيتحقّق الإنصاف الفعلي ، إن تناسبت الإرادتان عالم االرسمية والشعبية في تنمية التمدرس القروي الذي يئنّ منذ عقود تحت وطأة الإهمال والتمييز السلبي .
وتتحالف الرافعة السادسة مع باقي الرافعات ،حيث التمكين للمدرسة من التأطير اللازم ،ومن التجهيزات والبنيات ،وهو مطلب حيويّ ومستعجل ؛يحقّق التوازن بين قطبي البلاد المدينة والقرية ؛ولكن بالنظر إلى برامج وزارة التجهيز والنقل التنموية ،يشعر المتتبع باليأس لأنّ ماتعلنه ،هو تواضع في رصد الميزانيات للتجهيز وتقشف ،خاصّة للعالم القروي .فكيف الرهان على تحقيق هذه الرافعة ؟ !!!
وفي معرض آخريدعو التقرير إلى تحقيق الجودة والجاذبية للمدرسة العمومية ،وهو مطلب مشروع ،إذا سبقه إنجاز الضروريات والأولويات ،وإلا سنكون كمن يقدّم العربة على الحصان .
وآخراً وليس أخيراً،يشكّل التعليم الخاصّ ،أحد الأوراش الموسومة بالإرتجالية ،وعدم التنسيق مع التعليم العمومي ،رغم الإستفادة والإغتنام ،من الملك العام ،ومن الموارد البشرية العمومية ،دون التقدّم أو التميّز على مستوى العرض التربوي ،أو الإرتفاع بمستوى النتائج الدراسية ،أوالإلتزام ببنود دفاتر التحمّلات .
ومن ثمّ يظل التعاون الفعلي بين التعليمين الخاصّ والعام ّشرطاً لامناص منه،وأيّ تملّص منه يعدّ تقصيراً في الواجب الوطني .