جواد الحكومي:
- متصرف بوزارة التربية الوطنية و التكوين المهني.
- خريج السلك العالي في التدبير الإداري للمدرسة الوطنية للإدارة بالرباط.
- باحث في سلك الدكتوراه، شعبة القانون العام و العلوم السياسية، مجموعة الدراسات و الأبحاث في القانون للإداري و علم الإدارة.
تنشأ المسؤولية القانونية عن مخالفة قواعد القانون، إما إيجابا او سلبا، و هي إما مسؤولية جنائية يجازى عنها بالعقاب أو مسؤولية مدنية يجازى عنها بجزاء مدني، و المسؤولية الإدارية جزء من هذه الأخيرة. و معلوم ،في القانون بالضرورة، أن الأصل "ألا أحدا يسأل عن فعل أو قول غيره"، أي أن الشخص لا يسأل إلا عما بدر منه من أقوال أو أفعال، و هو نفس المبدأ الذي يعمل به الفقه الإسلامي تطبيقا للآية الكريمة "و لاتزر وازرة وزر أخرى"، و لكن و استثناء قد يسأل الشخص عن أفعال أو أقوال غيره، و بما أن الاستثناء لا يقاس عليه و لا يتوسع فيه و أن المسؤولية عن فعل الغير تعتبر خروجا عن القاعدة العامة فإن المشرع المغربي أورد الحالات التي يسأل فيها الشخص عن فعل غيره على سبيل الحصر لا المثال، و ذكر في هذا المجال المسؤوليات الثلاث التالية:
- المسؤولية عن فعل الغير التي تستلزم إثبات الخطأ، كمسؤولية رجال التعليم وموظفي الشبيبة والرياضة عن الأطفال و الشباب و التلاميذ.
- المسؤولية عن فعل الغير القائمة على افتراض الخطأ القابل لإثبات العكس، كمسؤولية الآباء والأمهات عن أبنائهما القصر و مسؤولية أرباب الحرف والصنائع عن أخطاء متعلميهم و مسؤولية من يتولى رقابة المجانين والمختلين عقليا.
- المسؤولية عن فعل الغير القائمة على افتراض الخطأ غير القابل لإثبات العكس، كمسؤولية الرئيس عن أفعال المرؤوس أو التابع عن أفعال المتبوع.
وسنقتصر هنا على مسؤولية الرئيس عن أفعال المرؤوس أو التابع عن أفعال المتبوع عموما، كمسؤولية عن فعل الغير قائمة على افتراض الخطأ غير القابل لإثبات العكس، فما هي شروط قيام مسؤولية المتبوع عن أفعال التابع (كنقطة أولى) ثم ماهي الآثار التي ترتبها هذه المسؤولية (كنقطة ثانية)؟
I. شروط قيام مسؤولية المتبوع عن أفعال التابع.
لا يمكننا أن نتحدث عن مسؤولية التابع عن أفعال المتبوع إلا عند تحقق شروط ثلاثة، أولها أن تربط المتبوع بتابعه علاقة تبعية مستوفية لجميع الشروط القانونية (كعنصر أول) و ثانيها أن يتسبب التابع في ارتكاب الفعل الضار بالغير أو الأغيار أثناء تأديته للوظيفة المسندة إليه أو بمناسبتها (كعنصر ثان) و أما ثالثها فأن يترتب عن فعل التابع حصول ضرر للغير أو الأغيار (كعنصر ثالث).
- أن تربط المتبوع بتابعه علاقة تبعية مستوفية لجميع الشروط القانونية، و قد يحدث أن يكون للتابع متبوعين أو أكثر أصليين و عرضيين، في هاته الحالة يتجه كل من الفقه و القضاء إلى أن المتبوع الذي يتحمل المسؤولية هو المتبوع الذي يمارس السلطة فعليا على المرؤوس أو التابع عموما.
- أن يتسبب التابع في ارتكاب الفعل الضار بالغير أو الأغيار أثناء تأديته للوظيفة المسندة إليه أو بمناسبتها، و في الإدارة العمومية علينا أن نأخذ بعين الاعتبار الإطار القانوني الذي يمارس فيه المرؤوس مهامه الإدارية، فعندما يتعلق الأمر بتفويض الإمضاء تكون مسؤولية الرئيس ثابتة بينما تنتفي هذه الأخيرة عندما يتعلق الأمر بتفويض الاختصاص.
- و أن يترتب عن فعل التابع حصول ضرر للغير أو الأغيار، و يستثنى من ذلك الحادث الفجائي، الحادث الناتج عن قوة قاهرة شريطة أن تكون القوة القاهرة غير متوقع حصولها و أن تكون الأضرار مستحيل دفعها.
II. آثار المسؤولية عن فعل الغير.
آثار المسؤولية عن فعل الغير يمكن إجمالها في إمكانية رجوع المتضرر على التابع أو المتبوع أو هما معا (كعنصر أول) و في مدى إمكانية رجوع المتبوع على التابع (كعنصر ثان).
- 1. رجوع المتضرر على التابع أو المتبوع أو هما معا.
عندما تتحقق شروط قيام مسؤولية المتبوع عن أفعال التابع و تنتفي موانعها، فإنه يحق للمتضرر الرجوع على المتبوع وحده كما يحق له الرجوع على التابع وحده لاعتباره طرفا أساسا في النزاع و يحق له أيضا الرجوع عليهما معا في دعوى قضائية واحدة و ذلك لافتراض القانون التضامن بينهما، إلا أن الملاحظ أن المتضرر غالبا ما يفضل الرجوع على المتبوع وحده، و ذلك لاستفادته من قرينة افتراض المسؤولية في المتبوع و أن المتبوع لا يحق له دفع هذه المسؤولية إلا بإثبات السبب الأجنبي كالقوة القاهرة والحدث الفجائي، و ينضاف إلا هذا و ذاك أن المتبوع غالبا ما يكون موسرا مقارنة بالتابع.
- 2. رجوع المتبوع على التابع.
المشرع المغربي لم يشر صراحة إلى إمكانية رجوع المتبوع على التابع، إلا أن القضاء حمل سكوت المشرع هنا على الجواز، و بالتالي يجوز للمتبوع الرجوع على التابع خاصة عندما يتعلق الأمر بتجاوز التابع للمهام المسندة إليه أو عندما يتعلق الأمر بالتعسف أو الشطط في استعمال السلطة.
فالملاحظ إذن أن المشرع المغربي قد ذهب إلى أن مسؤولية التابع عن أفعال المتبوع مسؤولية قائمة على قرينة قانونية غير قابلة لإثبات العكس، أي أن المتبوع لا يستطيع أن يدفع عن نفسه المسؤولية بإثبات أنه لم يرتكب أي خطأ في توجيه و مراقبة تابعه، أو أنه اتخذ كل ما يلزم للحيلولة دون و قوع الخطأ من تابعه، بل لابد له، إن هو أراد أن ينفي المسؤولية عن نفسه، أن ينفيها عن تابعه و هذا لن يتأتى له إلا إذا أثبت انقطاع علاقة السببية بين فعل تابعه و بين الضرر الذي يدعيه المتضرر و ذلك بإثبات أن الضرر يرجع إلى خطأ المتضرر نفسه أو خطأ الغير أو حادث فجائي أو قوة قاهرة.
المراجع:
- عمر النافعي، محاضرات في المسؤولية القانونية، المدرسة الوطنية للإدارة بالرباط،2012.
- محمد سدود، محاضرات في القانون الإداري، كلية الشريعة بفاس،2005.