رغم التصريحات التي يخرج بها مسئولو قطاع التربية والتكوين مع اقتراب كل اختبار إشهادي أواخر السنة الدراسية، والإجراءات الزجرية والتأديبية التي يُفصح عنها بين الفينة والأخرى، تطفو على السطح ظاهرة خطيرة أصبحت تخيف بشدة متتبعي الشأن التعليمي بالمغرب.
فيكفي الإنسان أن يتصفح جريدة من الجرائد الورقية أو الإلكترونية حين يحل وقت الامتحان الوطني حتى يتوقف عند حالات مهولة تم ضبطها متلبسة بمحاولة الغش، وأحداث جسام ذهب ضحيتها مشرفون تجرؤوا على الغشاشين. أو يزور المكتبات التي تقابل المؤسسات التعليمية على حين غفلة ليجد رفوف بعضها مليئا ب"الحروز" الطريقة البدائية في ممارسة هذه الآفة. أو يمر جنب الجامعات الكبرى أوقات الامتحان ليعرف حجم ظاهرة خطيرة باتت على عاتق المتدخلين في الشأن التربوي عبئا ثقيلا يجب التخلص منه في أقرب الآجال.
يُعرف الغش المدرسي في المجال التربوي على أنه الخيانة والخداع الذي يصاحب امتحانا مدرسيا ما، قد يمارسه الطالب أو التلميذ، ويساعد عليه المشرف أو الأب أو أي طرف آخر.
وهو جريمة قيمية أخلاقية تنكرها الطباع الإنسانية السليمة لما يكرسه من ظلم وهضم لحقوق الناس، كما يعد ذنبا عظيما في منظور ديننا الإسلامي، حيث اشتهر على ألسن الناس ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من غشّ فليس منّي"، كوعيد شديد لكل غشاش يسعى نحو اقتراف هذا الفعل الدنيء.
كما يصنف جنحة يعاقب عليها القانون المغربي وفق ما تقتضيه مصلحة المنظومة التربوية وسمعتها داخليا وخارجيا. لذلك جاء مشروع القانون الجنائي الجديد واضحا في الباب، حين نص في المادة (1-391) على أنه "يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين وغرامة من 2000 إلى 20000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من يرتكب غشا، بأي وسيلة، في الامتحانات الدراسية أو المهنية أو غشا في المباريات العمومية لولوج المترشحين لإحدى وظائف إدارات الدولة والمؤسسات العمومية أو الجماعات المحلية".
ولعل واضعو هذه المواد فطنوا إلى بعد الناس عن استحضار الجانب الديني على المستوى الحياتي لتغير الذمم حتى تفشت هذه الآفة المهلكة وبدت للبعض حقا مكتسبا سوّغ لنفسه أن ينافح عنه ويناضل لأجل إقراره وتقنينه بمبررات واهية تكاد لا تجاوز الحناجر. فمنهم من يستقوي بانعدام تكافؤ الفرص بين المدارس العامة والخاصة، ومنهم من يفترض وضعيات يبرر بها وضعه، ومن التلاميذ فئة تشكو الذاكرة الضعيفة التي لا تقوى على خزن المعلومات وتحليلها وتركيبها، ومنهم من يختفي وراء ضعف مردودية المدرسة المغربية، فتعددت الأسباب والهدف واحد...
وإذا كانت وزارة التربية الوطنية ستعمد إلى تطوير أساليبها في محاربة هذا المرض العضال السنة الحالية، عبر لجان تقنية ستكشف الطرق الحديثة في الغش، سيما وأن التطور التكنولوجي يسّر السبل أمام المترشحين الذين لا يراعون إلا ولا ذمة، لكنها ستبقى دوما عاجزة ما لم ترافقها مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي تنبت في حضنها الظاهرة وتتغذى فيها حتى تخرج للوجود غولا يصعب السيطرة عليه .
فأمام مؤسسة الإعلام التي تقر الغش ضمنيا عبر بث مسلسلات مدبلجة تكرسه، وتجعل من أبطالها غشاشين وخونة. وأسرة ضعيفة غير قادرة على رفع سقف التحدي، ومجتمع يعيش على وقع معاملات تشوبها الخيانة والخديعة، تبقى المدرسة يتيمة تدافع عن ما تبقى من حصن النزاهة والاستحقاق، ويبقى القائمون على الاختبارات بين سندان الضمير والواقع الذي لا يرحم.