حاوره سعيد الشقروني
تربويات تحاور اليوم وجها من الوجوه الثقافية والفنية بالمغرب، تحاور أحد أبناء مدينة بَجَعْدْ..هل لك محاوري العزيز، ونحن نحاول معا البحث عن بداية ممتعة وفريدة لهذا الحوار الذي نريده كاشفا عن تجربتكم ومفيدا للقراء..أقول، هل لك أن تحدثنا عن الشرقي عامر؟
ج: الشرقي عامر من مواليد بلدة جميلة وصادقة هي بجعد، المدينة التي كان لها تأثير كبير في اهتمامي بالصورة لأن مكوناتها متعددة ومغرية وجديرة بالعناية والتناول، درست بها قبل الرحيل المفروض على كل أبناء المدن الصغيرة لمتابعة الدراسة الجامعية.. رحيل تكون كل أشكال العودة بعده مؤقتة؛ كانت الوجهة مدينة الجديدة وبعدها تطوان،لأبدأ مشواري المهني باعتباري أستاذا للغة الفرنسية في قلعة مكونة وبعدها الرشيدية، ثم مُكونا بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالمدينة نفسها.
س:الأستاذ الشرقي عامر، لو سألتكم عن جذور علاقتكم بالصورة..؟
ج:الاهتمام الفني بدأ مع جمعية "البعث المسرحي" و"مسرح الهواة" بداية الثمانينيات صحبة عدد من المهتمين مثل المرحموم عمر ماديحي، وادريس المامون، والمولودي المنصوري، ومصطفى شطو، والأختين فاطمة وعتيقة عنالي وغيرهم، دون أن أنسى فترات اشتغالي ب"النادي السينمائي "لبجعد و"دار الشباب" سيدي الحفيان. بعد ذلك، عرف هذا النوع من الاشتغال بعض الفتور ثم تجدد مع "نادي أنفاس" بقلعة مكونة..لقد دفعني كل هذا إلى الاهتمام بالصورة والتوجه نحو الدراسة الأكاديمية حيثحصلت على دبلوم الإخراج السينمائي من معهد "سينيكور" بكندا، والانخراط في سلك البحث الجامعي من خلال سلك ماستر الأدب والسينما بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال.
وبين رحلتي الشتاء والصيف هاته، تنوع إنتاجي وتعدد بين المقالة النقدية التي تم نشر جزء كبير منها في منابر إعلامية وطنية، وبين المشاركة في كتب جماعية وترجمة نصوص لمنظرين وفنانين طبعوا تاريخ السينما العالمية.
س: عشق للصورة ضارب في الوجدان، وروافد كثيرة ومتعددة، وانتقال من الهواية إلى الاحتراف..هل يمكنكم أن تقدموا لنا فكرة عن الإطار السينمائي الذي تشتغلون من خلاله؟
ج:يستهويني كثيرا الاشتغال من خلال الشريط الوثائقي على التراث الشفهي المغربي، خصوصا الجزء المنسي منه الذي لم يتم الانتباه إليه، إذ إنني بصدد الخوض في مشروع رد الاعتبار لأشكال إبداعية شعبية هي جزء من هوية وتاريخ هذا الوطن؛ في هذا الصدد اشتغلت على تجربة شعرية جميلة للشاعر محمد شاكر في علاقة تم نسجها مع التجربة التشكيلية للمبدع سعيد نجيمة وذلك من خلال شريط "ظل الحب"، ثم اشتغلت بعد ذلك على الشعر الأمازيغي بمنطقة المغرب الشرقي من خلال تجارب غنية لثلاثة شعراء هم أوهاشم بوعزامة، ومولاي احمد أوالطاهر والعماري عمرو، واشتغل الآن على مشروع فيلم وثائقي طويل تم تصويره خلال شهر أبريل ويتحدث عن كناوة الأمازيغ الذي أتمنى أن يكون كاملا وجاهزا خلال شهر يوليوز المقبل، مع العلم بأنه لي مشاريع أخرى تم تقديم بعضها إلى التلفزة المغربية وكلها عبارة عن أشرطة وثائقية تتناول مواضيع الإنسان والثقافة والفن.
س: قياسا على قولة "الشاعر ابن بيئته"، ومع استحضار أن لكل بيئة خصوصيتها ودورها في تفتيق معالم "الفنية" عند المثقف والمبدع، كيف تنظرون السيد عامر إلى راهن تجربتكم بالإقليم أو خارجه؟
ج: الاشتغال بعيدا عن المركز له ايجابيات أهمها الانفتاح على مواضيع كثيرة ومُغْرِية بالبحث والمتابعة، لكن يُطرح مُشكل التكوين والحضور الفاعل في الساحة الثقافية والفنية، كما أن العمل بمنطقة مثل الرشيدية يطرح بعض الصعوبات منها البنية التحتية الفنية ومشاكل الانتباه إلى ما يمكن أن يكون مهما وإيجابيا هنا. لكن الاقتراح والعمل يبقى سبيلا مهما للمساهمة مع كل الفاعلين في خلق دينامية ثقافية وفنية بهذه المناطق، كما أنني ومن منطق الانتماء الممتد لكل الوطن أساهم مع مجموعة من الفاعلين في عدة مواعيد سينمائية وثقافية عبر ربوع الوطن الهدف منها تثمين كل المبادرات الجادة والمجددة.
س: كيف تتصورون العلاقة بين السينما والتربية؟
العلاقة بين السينما والتربية لا يمكن أن تكون إلا مفيدة للطرفين، وأفضل دليل على ذلك الحركية المهمة التي عرفتها العديد من المؤسسات التعليمية في بداية الألفية الثالثة من خلال تأسيس العديد من الأندية السينمائية المدرسية، بعد ذلك جاءت تجربة أخرى، لم تستمر للأسف، وأقصد أندية سينما الشباب التي توجت بالمهرجان الوطني الأول لسينما الشباب سنة 2007.
التربية في حاجة إلى المتن الفيلمي القادر على تمرير خطاب المعرفة والجمال اعتمادا على أشكال إبداعية مغرية ومفيدة لكل الأعمار، مثلما أن السينما في حاجة إلى جمهور المؤسسات التربوية الذي يمكن تأطيره ليكون قاعدة مهمة للمتلقي الواعي القادر على التأثير في المجال والتأثر به.
س:أين تكمن أهمية إدماج السينما والوسائل السمعية البصرية بالمدرسة والجامعة؟
كما أشرت إلى ذلك قبل قليل، إدماج السينما والسمعي البصري بالجامعة قادران على مسايرة منطق عصر مهتم أكثر من أي وقت آخر بالصورة وتجلياتها،ومُسَايِر لانتظارات تلاميذ وطلبة لهم اهتمام وارتباط كبيرين بالصورة، مثلما أنهم في حاجة ماسة إلى تأطير من الممكن أن تتبناه المدرسة والجامعة.
س: وهل من مخاطر ممكنة وراء ذاك..؟
لا يمكن الحديث عن مخاطر لأننا نتكلم عن تواجد واعي ومؤَطَر بل على العكس من ذلك، تواجد السينما داخل المدرسة والجامعة سيضع حدا لخطر التلقي غير الواعي وغير الناضج للصورة، وبالتالي سينتقل المتلقي من حالة السلبية إلى حالة التفاعل ومساءلة المنتوج.
س:هل لكم أن تُطلعوا القارئ على مشاريعكم المستقبلية؟
من المنتظر قريبا أن يرى النور شريطي الوثائقي الطويل حول كناوة الأمازيغ، مع العلم بأنه تمت برمجة تصوير شريط حول الشعر الأمازيغي في الأطلس المتوسط؛ وبطبيعة الحال، وكالعادة هناك مقالات في الطريق، وإن كنت لا أستطيع إخفاء حماسي وأنا مقبل بمعية مجموعة من الباحثين على التحضير للجزء الثالث من المجلة المتخصصة في الترجمة السينمائية "عبقريات سينمائية".
س: الناقد والباحث الشرقي عامر، شكرا جزيلا على سعة صدركم وعلى المضامين الدالة والمفيدة التي من شأنها أن تحفز متعلمينا وطلبتنا على التعلق بثقافة الصورة ومجالاتها.
ج: بل أنا من أشكركم على مواكبتكم للفعل التربوي والتعليمي والثقافي، وأتمنى لكم مسارا إعلاميا موفقا.