يعتبر التحكم في اللغات السبيل الأنجع للتشبع بالمكونات المتعددة للهوية الوطنية وثوابتها.ويشكل الأساس لتنمية الكفايات اللازمة لمختلف التعلمات و المعارف، وهو أحد محددات النجاح المدرسي وبناء الشخصية و الإندماج في الحياة الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية بالإظافة إلى الإنفتاح على الثقافات العالمية و التفاعل معا.وفي المقابل،فإن عدم التحكم فيها هو أهم أسباب الفشل والهدرالمدرسي.لكن،قبل هذا و ذاك،لابد أن نذكر بما جاءت به المذكرة 60 بتاريخ 24 أبريل 2008 والتي تنص في الشق المتعلق بتأهيل المؤسسات التعليمية في العالم القروي على ضرورة توفير الماء و الكهرباء والتطهير و البنية التحتية لمختلف المرافق التربوية و الصحية و الإدارية و توفيرالتجهيزات المكتبية و الوسائل التعليمية و المعدات الديداكتيكية إلخ..وذلك لأن تجويد ظروف العملو توزيع الموارد البشرية على المؤسسات دون تمييز أو حيف أساس جودة التعليم.فما موقع ملحقة إعدادية المغرب العربي الثانية بإمي نفاست من كل هذا؟
لقد خلف إلتحاق أحد أساتذة اللغة الإنجليزية العاملين بمدينة سيدي إفني بالمراكز الجهوية للتربية و التكوين خصاصا بالمؤسسة التي كان يشتغل بها،وكان لزاما على النيابة الإقليمية أن تجد حلا لهذا الطارئ. فالمسألة ملحة و لا تحتمل أي تأخير ضمانا لحق أبناء المدينة المركز في تعليم قار وهادف .ولتحقيق هذا الهدف النبيل سارع مهندسوالموارد البشرية إلى إرسال تكليف على وجه السرعة لأحد الأساتذة العاملين بملحقة إعدادية المغرب العربي الأولى بجماعة اسبويا،لكن الطريف في الأمر هو أن الأستاذ المعني لم يكن على علم بهذا التكليف لأسباب موضوعية مما دفع بالإدارة إلى سلك مسطرة الإنقطاع عن العمل في حقه،وقد تم تدارك الموقف في حينه و طوي الملف بشكل ودي واستأنف الأستاذ عمله بمؤسسة التكليف وفي نفس الوقت يرفع تظلما الى النيابة، وبعد أكثر من أسبوع من المعاناة يتم إلغاء التكليف ليتنفس زميلنا الصعداء و يعود إلى بيته سالما. وفي الأخير تقدمت أستاذة اللغة الإنجليزية بإعدادية المغرب العربي بمستي بطلب تكليف للتدريس بسيدي إفني مما جعل مؤسستها تعرف هي الأخرى خصاصا في الإنجليزية.لكن و بما أن لهذه المؤسسة ملحقات فإن تعويض الأستاذة سيكون أمرا هينا و لا شيئ يدعو للقلق.لكن كيف ستحل النيابة هذا المشكل و بأي منطق و على حساب من؟
لقد اعتبرت النيابة الإقليمية إعدادية المغرب العربي بجماعة مستي و جميع ملحقاتها مؤسسة واحدة وقامت بتفييض الأستاذ الذي عين في ملحقة إمي نفاست منذ أربع سنوات في إطار الحركة الجهوية و أرسلت له تكليفا تدعوه فيه إلى الإلتحاق بمؤسسة التكليف فورا.وهذا كله بالإستناد إلى مذكرة تدبير الفائض و الخصاص الصادرة بتاريخ 25 ابريل 2013,لكن دون احترام مضمونها وأهدافها. وكنتيجة حتمية لهذا التدبير العبقري أصبح الأستاذ ,وهو متزوج و أب لطفلتين,مجبرا على التدريس بالمركزية والتي تبعد عن مقر سكناه بأكثر من ثلاثين كيلومترا خمسة أيام في الأسبوع ,كما أن عليه تحمل عناء الطريق و ما يصاحب ذلك من انهاك جسدي و نفسي واستنزاف مالي في الوقت الذي يتغنى فيه مسؤولو النيابة بالجودة .وفي خضم كل هذا اللغط هناك أسئلة لابد من طرحها فنقول:هل فعلا إعدادية المغرب العربي و ملحقاتها مؤسسة واحدة؟ما دليلكم على ذلك؟ ولماذا تتوفر كل ملحقة على رمز خاص بها؟لماذا لا يعين أساتذة الملحقات في المركزية أولا و بعدها يتم توزيعهم على الملحقات إن كانت مؤسسة واحدة؟لماذا كل وثائقنا الرسمية تؤكد أن مؤسسات تعييننا هي الملحقات وليست المركزية؟هل تتوفر المركزية على قاعدة معطيات تشير إلى كون أستاذ الإنجليزية بإمي نفاست فائضا,كما نصت عليه المذكرة الإطار؟طبعا لا.و أخيرا،هل سبق لكم أن سمعتم بتكليف أستاذ ليدرس بمؤسسته ؟كيف سيدبرون الخصاص الذي سيخلفه هذا التكليف في ملحة إمي نفاست؟هل ستستصدر النيابة تكليفا لأستاذ ملحقة أسبويا ليدرس بالملحقتين ويطير بين جماعة اسبويا و جماعة إمي نفاست و مقر سكنه؟ولماذا تأخر هذا التكليف؟هل لأنهم يدركون انه غير قانوني؟
إن ما يجري حاليا هو أن النيابة تحاول دائما إيجاد حلول لمشاكل المركز على حساب الهوامش،فعدد تلاميذ السنة الثالثة بالمركزية لا يتجاوز خمسة و اربعون تلميذا في المجموع وهو نفسه عدد تلاميذ السنة الثالثة إعدادي بملحقة إمي نفاست.وهذه الإزدواجية في معالجة مشاكل القطاع بالإقليم لا يمكن أن تفضي سوى إلى ضرب مبدأ تكافؤ الفرص و هدر الزمن المدرسي وعدم صيانة التلاميذ في تعليم قار.و الحال أن النيابة الإقليمية ،و حتى حدود كتابة هذا المقال، تتحمل المسؤولية المباشرة في هدر أكثر من 264 ساعة من الزمن المدرسي بعد أن عجزت عن تأمين أستاذ مادة اللغة الإنجليزية لفائدة تلاميذ و تلميذات الملحقة.
أما على مستوى التجهيزات و البنية التحتية،فالملحقة غنية عن التعريف و ممنوعة من الصرف.وهي لاتتوفر حتى على سور و لا على ملاعب أو مراحيض،فهي أفقر من الفقر ولا يسعها إلا أن ترثي حظها العاثر مع كل المسؤولين الذين تعاقبوا على إدارة الشان التربوي بالإقليم. وما يزيد الطين بلة و يصيب بالذهول هو أن ترى إحدى حجرات المؤسسة المخصصة للدروس تحول دون وجه حق إلى مكتب للحراسة العامة رغم وجود مكان خاص لهذا الغرض.ولو تم تحويلها إلى خزانة أو قاعة مطالعة أو قاعة عروض و تزويدها بكتيبات و مراجع يستفيد منها التلاميذ و التلميذات لكان خيرا للمؤسسة و للوطن ككل.ولكن يبدوأن فلسفة الريع متوغلة في سيكولوجية الإنسان المغربي و أن إصلاح ما أفسدته عقود من سوء التدبير سيحتاج لا محالة إلى عمليات قيصرية مؤلمة.
كلما تأملت ما الت إليه ملحقة إعدادية المغرب العربي بإمي نفاست،قفزت إلى ذهني مقولة ملهمة عن التدبير الإداري الناجح مفادها أن الإدارة تعمل من خلال النظام أما القيادة فتعمل فوق النظام.وهذه المقولة الرائعة لها نفس معنى و دلالة عبارة أخرى مكتوبة بشكل عريض في أحد شوارع نيويورك تقول أن التاريخ يصنعه الخارجون عن القانون و طبعا الحديث هنا ليس عن المجرمين و أرباب السوابق بل عن الإنسان المبدع و الخلاق.وفي انتظار ميلاد جيل من القادة بالإدارة التربوية بالمغرب لا يسعنا إلا أن نتمنى حظا أوفر لإمي نفاست في قادم الأيام و الأعوام و نقول في الوقت نفسة للمسؤولين عما وصلت إليه أوضاع الملحقة :ما هكذا،يا سعد،تورد الإبل.
عبد الله البلوكي
ذ اللغة الإنكليزية بإمي نفاست