بقلم إدريس شريفي علوي الأستاذ المبرز بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة العيون بوجدور الساقية الحمراء
عرفت المنظومة التربوية المغربية في ثمانينيات القرن الماضي استيراد تجربة فرنسية رائدة هي تجربة التبريز، هاته التجربة التي تعني فيما تعنيه التميز والموسوعية والإنتاج الفكري والبيداغوجي. فكانت الثمار الأولى لها بأن تأثثت المنظومة التربوية بمجموعة من الأساتذة المبرزين الذين أغنوا مؤسساتها في مختلف التخصصات والمواد.
لكن، وبعد مرور أكثر من ربع قرن مازال ملف الأساتذة المبرزين عالقا، ومازال إصدار نظام أساسي عادل ومنصف لهاته الفئة محط مد وجزر بينهم وبين الوزارة الوصية. فعلى الرغم من بلوغ نضال المبرزين ذروته، وخروجهم بمسودة نظام أساسي كما اتفق عليه في التاسع عشر من أبريل لسنة إحدى عشر وألفين، والتي قرر لها شهر يوليوز من السنة نفسها تاريخا للتنزيل، إلا أن الوزارة تملصت من كل وعودها وعهودها، وعاد المبرز لنقطة البداية وقد مضى على ذلك الاتفاق زهاء ثلاث سنوات ونصف.
و حري بالذكر أن مؤسسات اشتغال الأستاذ المبرز هي المدارس العليا للأساتذة، والأقسام التحضيرية، وأقسام التقني العالي، والمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، والأقسام النهائية للثانوي التأهيلي. وضع يعكس بالملموس مدى الوعي الكبير بمكانة المبرز ودوره في النهوض بالمنظومة، كيف لا وهو الصانع والمزخرف لمهندسي الدولة الذين تفخر بهم في مؤسساتها العمومية والخاصة.
لكن، وعلى الرغم من المكانة العلمية الرفيعة للأستاذ المبرز إلا أنه لا ينعم بأبسط الحقوق، حتى صار وجها للمعاناة والبؤس واليأس، وهو الحالم بغد أفضل وبدور محوري في إرجاع المنظومة إلى سكتها الصحيحة. ولعل أبسط الحقوق التي تضمنتها المسودة المشار إليها سلفا، تلك المتعلقة بحقه في استكمال دراسته بسلك الدكتوراه شأنه شأن طلبته من مهندسي الدولة الذين يجدون أنفسهم أمام أبواب مفتوحة لأستكمال أطروحاتهم.
ولا يخفى أن تكوين الأستاذ المبرز والمهندس واحد في جوهره، بل ويلتقيان تحت سقف قسم واحد في مؤسسة واحدة وزمن واحد في الجزء الأول من دراستهم. فنجد طلبة الأقسام التحضيرية بعد سنتين من التحضير للمباراة الوطنية المشتركة منهم من يختار مدارس المهندسين، ومنهم من يختار سلك التبريز، ليدرس كل منهما ثلاث سنوات يجد الأول فيها نفسه مهندس دولة من حقه تسجيل أطروحته، ويجد الثاني نفسه أمام شهادة لا تخول له ذلك. (نظام التبريز قبل إحداث المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين). بل والمضحك أنها لا تخول له حتى التسجيل في السنة الأولى من سلك الماستر ليجد الأستاذ المبرز والمكون بمراكز التكوين نفسه أمام وضع دراماتيكي يكون فيه طلبته في وضع أحسن منه فيما يتعلق باستكمال الدراسة في تقهقر سافر ووضع مأساوي لكفاءات الوطن.
إن تسجيل الأستاذ لأطروحة الدكتوراه حق بسيط من الحقوق التي يجب التسريع بها للأستاذ المبرز. هذا الأخير الذي أعطى الكثير ولم ينل بعد النزر القليل، ولعل في ذلك إعادة اعتبار والتفاتة نسبية لمجهودات هاته الفئة. وبعيدا عن الحسابات الضيقة، فيجب النظر إلى هاته الخطوة على أنها خدمة للمنظومة التربوية، وتشجيع لذوي الكفاءة العالية على المضي في جدهم واجتهادهم وإنتاجهم العلمي والبيداغوجي.
لم يعد أمر التأجيل مبررا، بل إن الوزارة تضع نفسها في موقف متناقض بعد تبنيها الصيغة الجديدة في شروط الولوج لسلك التبريز، فقد أصبح الدخول لهذا السلك رهين حصول المترشح على شهادة الماستر، أو الماستر المتخصص، أو دبلوم مهندس الدولة ليجري بعد ذلك تكوينا لسنتين، يتوجهما بمباراة وطنية للتبريز في بعض الشعب ودولية في بعضها الآخر، وينال إن هو نجح شهادة وجب إعادة النظر في تسميتها " شهادة التبريز للتعليم الثانوي التأهيلي"، فهي تسمية ظالمة في ظل اشتغال أكثر من نصف مبرزي المغرب بمؤسسات غير مؤسسات التعليم الثانوي التأهيلي.
إن التبريز بوضعه الحالي، وإن لم تتخذ في حقه بعض الإجراءات المستعجلة كالسماح بالتسجيل في سلك الدكتوراه للأستاذ المبرز، لهو آيل لا محالة للانهيار والسقوط. ومرد ذلك إلى عدم المناسبة بين مخرجات السلك ومدخلاته. مخرجات تتمثل في نيل شهادة للتعليم الثانوي التأهيلي، ومدخلات تتمظهر في دبلوم مهندس دولة أو شهادة الماستر. فياليت شعري من ذا الذي يختار سلكا أصبح مشكلا من سنوات سبع عجاف، ويترك آخر مشكلا من ثمان سمان هو سلك الدكتوراه عبر مسالكه العادية (نظام LMD).