حاوره سعيد الشقروني
فكرت مليا في الأسئلة التي سأعرضها على الدكتور محمد دخيسي أبو أسامة باعتباره باحثا تفرق دمه بين الشعر والنقد والأدب والتربية..فكرت وبصرت كثيرا في طبيعة الأسئلة التي يمكن أن تفيد قارئ الموقع، وكنت متيقنا أن الأسئلة التي سأخصصها له سيتقبلها بقبول جميل، وسيخرج آمنا بأناقة لغته من دهاليز هو أعرف بها ليصل بي وبالقارئ خارج أسوار القلعة.. لكن لا مفر من الحوار معه.. ولا هدنة مع تجربة محاوري العزيز عندما لا تكون الأسئلة فِخَاخًا ولا تكون الأجوبة مكائد..
وفي إطار تقريب الباحثين والقراء من الكفاءات الوطنية في مجال الثقافة والأدب، نحاور اليوم الأستاذ محمد دخيسي أبو أسامة، حاصل على الدكتوراه من جامعة محمد الأول، كلية الآداب والعلوم الإنسانية وجدة، في موضوع "الشعر المغربي المعاصر بين ثبات الدلالة وتحولاتها".. عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية، وعضو في العديد من الجمعيات الثقافية والتنموية.. قدم دواوين شعرية عديدة، وأصدر العديد من الكتب الشخصية والمشتركة، أفكر الآن في كتبه: "مقاربات نقدية، قراءة في إبداع الجهة الشرقية" 2012، و"مسيرة شاعر، رحلة مع الشاعر محمد علي الرباوي" 2012، و"حدائق الشعر قراءة في تجربة محمد بنعمارة الشعرية" 2014 وغيرها كثير..
سؤال: الدكتور محمد دخيسي أبو أسامة، أشكرك على قبول إجراء هذا الحوار، وأبدأ بالسؤال التالي، ما هو الشعر في رأيكم؟
جواب: العفو أستاذ سعيد، بدوري أشكركم على الاستضافة وعلى الثقة وعلى كلمتكم الجميلة في حقنا..وجوابا على سؤالكم أقول إن الشعر تجربة حياتية قبل كل شيء، ومن ثمة فهو رؤية ورؤيا:
الشعر رؤية: باعتباره يحمل توجها ويعبر عن رؤية خاصة للذات والوجود والآخر؛
والشعر رؤيا:لأنه ينسج خيوط الواقع والذات وفق نمط متعالٍ، يخترق الجاهز ويتحول إلى استجلاء المجهول، كما يتخطى الماضي والحاضر نحو المستقبل.. ويكشف عن عوالم جديدة..
إلى جانب ما يقدم أساسا لتعريف الشعر، أرى أن التجاوز واجب والتحدي قائم؛ لكن دون القفز على الثوابت العروضية. بحيث أرى أن الشعر العمودي الخليلي، والشعر التفعيلي (الحر) هما الأصل، أم الفروع ليست إلا تكملة يجب أن تُدرك بعد اكتساب الجانبين الأولين.
سؤال: وأنتم تقرؤون الشعر وتدرسونه، كيف نجعل من درس الشعر درسا بانيا للتلميذ؟
جواب: لا بد من الإقرار بصعوبة تدريس مكون الشعر في المدرسة المغربية لسببين:
أولا- النظرة المُهَمِشَة للشعر في الوسطين الشعبي والتعليمي؛
ثانيا- المستوى التعليمي المتفشي في هذا الوسط، مما ينذر بفوضى تدريس الشعر، لأنه يخلق للتلميذ عوالم جديدة لا يدركها ببساطة تفكيره، لذلك من الواجب التعويد على القراءة منذ البدايات الأولى، ولا بأس من الحفظ والتركيز على قوة الذاكرة لتغيير المكتسبات العادية والمرجعيات اللغوية المكتسبة في المنزل والمحيط؛ إذ بتلمس طريق البحث عن أصالة اللغة العربية والشعر العربي نتواصل وكنزا لا يقدر قيمته إلا عامده.
سؤال: أين تظهر براعة وكفاءة الأستاذ في إنجاح درس الشعر في الفصل؟
جواب: بناء على التجربة الشخصية، وانطلاقا من مفهوم قد يبدو غريبا، أحاول دائما أن أبرهن للتلميذ أنه قادر على فك طلاسم الشعر الغامض، وتحريك وجدانه وفق تحركات النص الشعري. لذلك أعمد خلال حصة النص الشعري إلى تنبيهه إلى الوقفات العروضية دون أن يدركها بقوانينها وأسسها، وذلك بالانطلاق من مكون الإيقاع الذي يلزم تقطيعا تفعيليا مركَّزا، كأن أقرأ النص أو البيت الشعري بناء على نهاية كل تفعيلة، وأحسس التلميذ بالنفَس الموسيقي المتقطع. وقد أثبتت تجربتي نجاحتها، فلم يعد البعض -أو القلة في انتظار تكملة الباقي- يقرا القصيدة قراءة عابرة، بقدر ما بدأ التحسيس بالهوة ومكامن القوة فيها.
إلى جانب هذا المعطى، أقف دائما عند إبراز المحتوى، أو إبلاغ المعنى بطرق بسيطة، يدرك من خلالها المتعلم أن النص الشعري ليس لغزا كما يتبادر إلى ذهنه في بداية القراءة، وإنما نص يحتمل أوجها تفسيرية وتأويلية. ويحتاج إلى تبصرة من قبل القارئ وهذا يعود أساسا إلى المرجعية التي يحملها المبدع التي تتوزع عبر قراءاته وملكاته، مما يبرر دور فعل الاطلاع على الموروث وعلى كل المستجدات للوصول إلى المعنى ومعنى المعنى.
سؤال: ما النصوص الشعرية التي تدعون التلميذ إلى قراءتها؟
جواب: بناء على الفكرة السابقة، أنصح دائما بالعودة إلى الأصل، بقراءة عيون الشعر العربي، ولمَ لا حفظها. ثم بعد ذلك قراءة كل ما يكتب من شعر حقيقي، لا ما ينشر على صفحات الإنترنيت ومواقع التواصل، الذي يبقى في جله مجرد هراء لا يزيد الذائقة الشعرية إلا ضلالا وغيا. كما يجب ويلزم الاطلاع كذلك على الشعر الغربي الذي يوطد علاقة التلميذ بالتراث الإنساني العام.
سؤال: هل يمكن أن نتحدث عن دور لتجربتك الصفية مع التربية والتعليم في صقل تجربتك الشعرية؟
جواب: إضافة إلى الجانب التعليمي، لا بد من التركيز على فعل الاقتراب الفعلي من تجارب معاصرة، وقد أثبتت تجربة خمس سنوات أن دور الأنشطة الثقافية فاعلٌ أساس في هذا الجانب، خاصة أنني ركزت في مؤسستنا على جلب أهم الأسماء الإبداعية في مجال الشعر والقصة والمسرح وتقريبهم من التلميذ عبر أمسيات شعرية، وكنت كل مرة أحفز بعض المتعلمين على كتابة نصوص والمشاركة مع رواد الشعر والقصة. وهذا ما دفعني هذا الموسم وخلال نهاية شهر مارس الماضي من تجريب فعل الإبداع لدى المتعلم، بتنظيم أول ملتقى جهوي للتلميذ المبدع، حاولت -بمساهمة فاعلة لمدير المؤسسة والمقتصد المكلف بجانب التسيير المادي للنشاط- من خلاله الاتصال بالمديريات الإقليمية لوزارة التربية الوطنية قصد تعميم المبادرة ومشاركتنا هذا الحفل، وبالفعل كانت الجمعة 31 مارس 2017 محكا حقيقيا، إذ شارك في النشاط قرابة 40 تلميذا وتلميذة من مستويات مختلفة (ابتدائي، إعدادي، ثانوي) ومن مختلف المؤسسات التابعة للجهة الشرقية في مجال الشعر والقصة والمسرح، على أن يكون الموسم المقبل أكثر تركيزا، بإجراء مسابقة قبلية وتتويج الفائزين. وهذا يتطلب دعما معنويا من قبل المسؤولين، وتحريك عجلة الإبداع لدى الناشئة.
سؤال: الدكتور محمد دخيسي أبو أسامة، شكرا جزيلا على طموحكم وعلى جميل تفاعلكم.
جواب: العفو، بدوري أشكر موقع تربويات على هذه المبادرة الحسنة التي تكفل بها الأستاذ سعيد الشقروني.. وأتمنى لكم التوفيق.