اسماعيل الحلوتي
تناقلت وسائل الإعلام الوطنية يوم الجمعة 18 أكتوبر 2024 خبرا حول استقبال العاهل المغربي محمد السادس في ذات اليوم بالقصر الملكي العامر في العاصمة الرباط، مهندس النموذج التنموي الجديد ووزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى، وعينه مندوبا ساميا للتخطيط، خلفا للسيد أحمد لحليمي علمي، الذي وشحه جلالته بالحمالة الكبرى لوسام العرش.
وهو الخبر الذي بقدر ما ابتهج له الكثير من المغاربة وفي مقدمتهم نساء ورجال التعليم من مختلف الهيئات والفئات التعليمية، بعد أن أزيحت عن صدورهم تلك الصخرة التي ظلت تخنق أنفاسهم لأزيد من ثلاث سنوات، بقدر ما انتابتهم حالة من القلق واضعين أيديهم على قلوبهم خوفا من أن يأتي من هو أسوأ لخلافته، كما عودتهم على ذلك التجارب السابقة في الحكومات المتعاقبة.
فكيف لا يثلج مثل هذا الخبر السار الصدور وقطاع التربية الوطنية والتعليم يشهد حالة من التوتر غير المسبوق، جراء توالي القرارات الجائرة والاحتجاجات التي تقودها النقابات والتنسيقيات التعليمية، معلنة عن رفضها لما جاء به الوزير بنموسى بشكل انفرادي من نظام أساسي جديد مجحف وغير منصف، وخاصة بعد أن صادقت عليه الحكومة في نهاية شهر شتنبر 2023، مما أدى إلى إضرابات متواصلة شلت الدراسة بالمؤسسات التعليمية في القطاع العمومي لمدة تجاوزت ثلاثة شهور، وخلف استياء واسعا في أوساط آلاف الأسر المغربية التي عاشت حالة من القلق خوفا على ضياع مستقبل بناتها وأبنائها...
إذ عرف هذا القطاع الحيوي الهام معركة طاحنة بين الوزير والمركزيات النقابية والتنسيقيات التعليمية، دفعت الكثير من المراقبين والمهتمين بالشأن التربوي والسياسي ببلادنا إلى التساؤل حول الأسباب الكامنة وراء ما يبديه بنموسى من عناد شديد، وما إذا كان الفشل الذي لحق بتدبير القطاع الاستراتيجي، سيعجل بإقالة بنموسى من مهامه؟ حيث أن الاحتقان الذي حصل في الموسم الدراسي 2023/2024 كشف عن عدم قدرته على تدبير الأزمة ونزع فتيل التوتر المجتمعي الذي شهده المغرب في عهده، ناهيكم عما عرفه الشارع المغربي من احتجاجات صاخبة في أوساط الشباب المعطلين من ذوي الشهادات العليا، إبان اتخاذه قرار تسقيف سن ولوج مباريات مهن التعليم، معتبرا أنه من ضمن الشروط التي تندرج في صلب سياسة الارتقاء بالمنظومة التعليمية، كما أكدها القانون الإطار 17-15، والنموذج التنموي الجديد والبرنامج الحكومي.
فالكثير من المغاربة تفاعلوا مع قرار ملك المغرب الذي عرف بلباقته وحسن تدبيره للأمور مهما كانت معقدة، حيث أنه واحتراما لما أسداه الرجل من خدمات جليلة طيلة مساره المهني، حيث كان وزيرا للداخلية ورئيسا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وسفيرا للملكة في العاصمة الفرنسية باريس، ورئيسا للجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد، لم يشأ أن يتنكر لذلك كله ويعفيه من مهامه بصفة مباشرة، رغم أنه فشله الذريع في تدبير الشأن التعليمي، وكان سببا في اندلاع نيران الاحتجاجات والإضرابات، مما أدى حينها إلى حرمان أكثر من سبعة ملايين تلميذة وتلميذا من الدراسة لأزيد من ثلاثة شهور، وهو التوقف الاضطراري عن الدراسة الذي كلف وسيكلف الدولة والمجتمع خسائر كبيرة تتجاوز ما هو مالي واقتصادي إلى ما هو اجتماعي ونفسي، وستترتب عنه بلا شك عواقب وخيمة على المسار التعليمي لملايين التلاميذ، وفضل جلالته أن يعينه مندوبا سام للتخطيط، لعله يعطي في هذا المنصب نتائج أفضل.
ترى هل ينجح الوزير القادم فيما فشل فيه سلفه بنموسى ويكسب رهان إصلاح المنظومة التعليمية، من حيث القدرة على حل المشاكل والأزمات المتراكمة؟ ذلك أن عديد الفاعلين التربويين إلى جانب الشغيلة التعليمية والنقابات والأسر المغربية تراهن جميعها على أن يتفاعل بديل بنموسى بصفة إيجابية وسريعة مع الملفات المطلبية والالتزامات المبرمة مع الحكومة، ويعمل بجدية على ترجمتها إلى حقائق ملموسة، وضمان الخروج العاجل والآمن من دوامة إصلاح الإصلاح، والسعي نحو تأهيل الكفاءات والموارد البشرية ذات القدرات العالية، التي يمكن استثمارها جيدا في الاتجاه الصحيح والاستفادة منها، بما يساهم بفعالية في تجويد قطاع التربية والتعليم كركيزة أساسية لتحقيق الإقلاع التنموي المأمول، من خلال إعداد العنصر البشري المناسب لمغرب المستقبل على المستوى المعرفي والفكري والسلوكي.
إن مغرب اليوم في أشد الحاجة إلى توفر إرادة سياسية قوية وتعبئة كل طاقاته البشرية وكفاءاته الوطنية من أجل العمل بحس وطني صادق وروح المسؤولية في اتجاه رسم سياسة تربوية حقيقية وكسب رهان إصلاح المنظومة التعليمية، على أن تلعب مختلف الجمعيات الشريكة للمؤسسات التعليمية، وكذا النقابات المهنية التعليمية وجمعيات المجتمع المدني الدور المنوطة بها وتتحمل كافة مسؤولياتها في تحقيق الإصلاح اللازم، والحرص على إشراك كل الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين والأطر التربوية في أي رؤية مستقبلية للإصلاح، دون إغفال ما للرؤية الاستراتيجية التي أعدها المجلس الأعلى للتربية والتكوين من أهمية بالغة للارتقاء بالمنظومة التعليمية، عبر خلق مدرسة مندمجة تراعي تكافؤ الفرص والمساواة بين أبناء الشعب والتصدي لمعضلة الهدر المدرسي خاصة في المناطق القروية والنائية.