المدرسة المغربية والحراك التربوي أثارت المدرسة العمومية في الآونة الأخيرة الكثير من النقاش والجدل هنا وهناك، بنفس القدر الذي أسالت فيه مجمل القضايا المرتبطة بالتعليم والتعلم الكثير من المداد وعبأت العديد من الباحثين سواء المتخصصين في علوم التربية وغيرها، وذلك للإسهام في تحليل التطور والسيرورة اللذين يعرفهما حقل التربية والتعليم إن على الصعيد الدولي أو الوطني.
في هذا السياق إذن، سياق التطور والتجديد والحركية التي تميز المدرسة العمومية المغربية راهنا، يأتي صدور كتاب الباحث لحسن بوتكلاي حاملا كعنوان: " تشييد التعلمات، نحو منظور جديد" في 132 صفحة من الحجم المتوسط معززا بذلك الخزانة التربوية المغربية التي ما أحوجها لمثل هذه الإسهامات التي يقدمها ممارسون ميدانيون خبروا عن قرب الفعل التربوي بكل عناصره. وجاء هذا الكتاب متضمنا لمقدمة تلتها خمسة فصول على النحو التالي: الوضعية المشكلة إثراء للتعلم نعم...لكن كيف ؟ المدرسة وبناء الكفايات المواطنة، من اللسانيات التطبيقية إلى ديداكتيك اللغة، اللغة والأدب أية صلة، هل تجووز الكتاب. من النظريات إلى الوضعيات يتميز المشهد البيداغوجي حاليا بهيمنة مفهوم "الوضعية-المشكلة" باعتبار هذه الأخيرة آلية لتجديد وتطوير مجمل مجالات الممارسة التعليمية حتى ما يتصل فيها بأدوار المدرس وتلاميذه وأشكال المعرفة ونوع الأنشطة من جهة أولى، وممكنة المتعلم من إعمال ذهنه لبناء معرفته وتطوير كفاياته وأدائه، من جهة ثانية. ولأنه لا مناص لأية عملية بيداغوجية تروم التخطيط للفعل التعليمي التعلمي من الاستناد إلى نظرية ما من نظريات التعلم التي أبدعها وطورها الفكر التربوي الإنساني على مر التاريخ، فقد استندت بيداغوجيا الأهداف إلى النظرية السلوكية واعتمدت العديد من الطرق التربوية المعاصرة كلا من النظريتين البنائية والسوسيوبنائية، فقد قرب الباحث القارئ من تعريف "الوضعية-المشكلة" محددا النظريات التربوية التي تستند إليها وكذلك أنواعها وخصائصها ومراحلها وشروط إعدادها، ويبقى المهم في مناولة المؤلف تقديمه لعدد من نماذج " الوضعيات-المشكلة" في مجموعة من المواد الدراسية بشكل ييسر فهم كل ما يتصل بمفهوم "الوضعية- المشكلة"، دون أن يغفل الحديث عن الإكراهات والعراقيل التي قد ثقف حجر عثرة أمام تنفيذ "وضعية-مشكلة" بالوسط المدرسي والتي يتوجب اعتماد مقاربة تشاركية فعلية مع الجميع لإيجاد الحلول الناجعة لها. المدرسة قنطرة لبناء "الكفايات المواطنة" ظلت المدرسة ولا تزال واحدة من أبرز المؤسسات المساهمة في التنشئة الاجتماعية للطفل، طبعا إلى جانب مؤسسات لا يمكن إنكار مساهمتها الرئيسية في تحقيق نفس الغاية حتى وإن اختلف دور كل مؤسسة عن الأخرى حسب الظروف والخصوصيات ودرجة التأثير. ومنها: الأسرة، الشارع، منظمات المجتمع المدني. وقد انضافت لهذا المشهد وسائل أخرى يستحيل تغاضي الطرف عن أدورها على مستوى تأثيرها في الطفل، وهي الأدوار التي تتعاظم يوما عن يوم خاصة في ظل التطورات المطردة التي تشهدها التكنولوجيات الحديثة في الإعلام والاتصال. يستعمل المؤلف مفهوم "الكفايات المواطنة" و "الكفايات الديمقراطية" للدلالة على مجمل الكفايات المساهمة في تكوين تلميذ- مواطن، وهي كفايات تتحقق من خلال أنشطة التربية على المواطنة والبعد الإنساني والمتجسدة في: التكوين على المؤسسات بأبعادها القانونية والسياسية والتاريخية- تشجيع القيم الديمقراطية على تنوعها: الحرية، المساواة، التضامن، العدل، السلام، المشاركة الجماعية- تنمية سلوكات الاحترام والاستماع واحترام الاخر والقانون، والإقدار على تمثيل السكان والتدخل في اجتماعات عامة، والاستدلال على الرأي واتخاذ القرار بشكل جماعي. واليوم، تجد المدرسة المغربية نفسها أكثر من أي وقت مضى مدعوة إلى تنويع مجالات تدخلها لترسيخ قيم المواطنة الإنسانية عبر: الامتدادات بين المواد الدراسية، اعتماد الطرق البيداغوجية المعززة للديمقراطية وروح المواطنة، إشراك عموم الفاعلين، الابتكار والإبداعية على صعيد كافة المشاريع التي يعرفها المشهد المدرسي ولاسيما منها مشروع المؤسسة. وكل ذلك من أجل الانتقال من " الإنسان الأداة" نحو "الإنسان القيمة والغاية". إشكالية تدريس اللغات كما هو ملاحظ وكما أشارت إلى ذلك العديد من التقارير التقويمية داخليا وخارجيا، تعترض تدريس اللغات الأجنبية بالمدرسة المغربية اليوم عدة صعوبات، ترتبط بالعناصر الثلاثة المكونة لكل فعل تربوي ( متعلم، أستاذ، طريقة) وتتجلي هذه الصعوبات بالخصوص في: محدودية الغلاف الزمني، غياب الحوافز، وجود فوارق بين مقررات اللغات الأجنبية وأعمار المتعلمين، التداخلات اللغوية بين اللسان الأم والألسن الأجنبية. وكل هذه الصعوبات تفرض مشاركة عموم الفاعلين التربويين وإعمال الفكر التربوي في نقاشات عمومية مفتوحة للتداول في الاختيارات اللغوية بالمنظومة التربوية المغربية. ومن جهته، بادر المؤلف إلى اقتراح منهج اللسانيات التطبيقية بمبادئها ومرتكزاتها العملية كآلية للارتقاء بتعليم وتعلم اللغات الأجنبية بالمدرسة المغربية. كانت تلكم إطلالة على أبرز القضايا الرئيسية التي أثارها الأستاذ لحسن بوتكلاي في طيات كتابه: "تشييد التعلمات". كتاب أراد من خلاله صاحبه تبيان التحديات والرهانات التي تواجه منظومتنا التربوية الحالية، فإما أن تبقى متمسكة بنمطها التقليدي الضيق أو أن تساير مجمل التحولات السريعة القائمة حالية وعلى مستويات عدة. ولعل الاطلاع على مضمونه الغني من لدن كل الفاعلين في حقل التربية والتعليم، كفيل بالوقوف عند عمق ودقة وكذا راهنية المقترحات التي قدمها المؤلف كحلول للعديد من الإشكالات والعوائق التي تواجهها مدرستنا المغربية المعاصرة.