عندما أصدرت الحكومة مذكرة تمدد مهمة المتقاعدين إلى نهاية السنة، ثارت ثائرة المقبلين على التقاعد وامتلأت صفحات نساء ورجال التعليم بمواقع التواصل الاجتماعي، بالاحتجاجات وعبارات الرفض ، لا للمس بتقاعدي ، لا للتمديد. إن المتأمل في تلك المقالات والآراء يستنتج أن رجال ونساء التعليم يعيشون معاناة وأن مهنة التعليم من المهن التي ينتظر فيها الإنسان بلوغ سن التقاعد بفارغ الصبر وينهمك في عد السنوات والشهور والأيام متباهيا بذلك أمام أصدقائه في المقهى،ـ وفي العمل مرددا عبارات باقي غير بضع سنوات ونرتاح ويكون جواب الذين تنتظرهم سنوات وسنوات بحسرة كبيرة و لازالوا أمام مشوار طويل (الله اخرج سرا بسنا على خير). إن الوظائف الأخرى لاتعرف هذه الحدة لان بعض المهن وبعض المهام ينتعش فيها الموظف ولا يكتفي بأجرته بل تجده يستفيد من تعويضات وحلاوة الزبناء ( قهيوات) مما يجعله يتمنى أن لا يأتي ذلك اليوم الذي يخبروه باستغناء الإدارة عنه.
إن حب التقاعد أوكرهه يختلف من شخص لأخر حسب موقعه، مع ذلك قد نأخذ بعين الاعتبار أن هناك أناسا حسب زعمهم يحبون الوطن ويريدون خدمته إلى أخر حياتهم ، هذا النوع من الوطنيين المخلصين نقول لهم ( برافو) ولن نحاسبهم على نيتهم، بل على ممارستهم في العمل ، هل بالفعل يؤدون واجباتهم دون الإخلال بها؟ هل المواطنون عندهم سواسية ويدبرون بحكمة وشفافية المرافق التي يشرفون عليها؟ مع أننا نسمع أن اغلب الذين يشتغلون بهذا المنطق ينتظرون لحظة إعفائهم بفارغ الصبر وبأريحية، لأنهم يخشون من تأنيب ضمائرهم لهم، ويخشون أن يسجل عليهم وطنهم أي تقصير، ويعتبرون تقليد المهام تكليفا وليس تشريفا.
إن هذا النقاش أصبح موضوع الساعة في بعض الأقاليم بعدما راج ويروج أن بعض النواب وبعض رؤساء الأقسام والمصالح ممن وصلوا سن التقاعد حركوا معارفهم وهواتفهم وانتماءاتهم السياسية من أجل التمديد لهم لأكثر من سنة، وبهذا ظاهريا يعطون البرهان على وطنيتهم وإخلاصهم للوطن واستعدادهم لتكريس ما تبقى من حياتهم لخدمة مصالح المواطنين، أما ما خفي فهو أعظم لان بعضهم يسكن بالفيلات مجانا ، يستفيد من سيارات الدولة ، من حراس الأمن الخاصين، ومن تعويضات خيالية ويستفيدون من نزوة حب الكراسي
في الوقت الذي نجد الآخرين نخرهم المرض وبؤس الحياة لايريدون سوى أن يقضوا ما تبقى من حياتهم في هدوء بعيدا عن المسؤولية ومتاعبها ويخشون المحاسبة: محاسبة ضمائرهم وربهم قبل كل شيء.
لهذا فالوزارة لابد أن تأخذ بعين الاعتبار أن الذين يلهثون وراء المسؤولية أكيد أنهم يبحثون مصالحهم مع الاستثناء طبعا دون التعميم. وان التمديد لايستحقه إلا من كان نزيها في منصبه وكان ديمقراطيا ، ولم تسجل عليه أي اختلاسات او تلاعبات، بهذا تعطي مصداقية للتمديد وللأهداف منه، وهو إكمال المشاريع التي بدأت من طرف الراغبين في ذلك وقطع الطريق على الذين يريدون مزيدا من الوقت للاغتناء ولنهب المال العام.
عبد القادر امين