في تقييمه لسنة 2014 على مستوى ما تم إنجازه في مجال التربية والتكوين، اعتبر رشيد شاكري، المفتش التربوي والباحث في شؤون التربية والتكوين، اعتبر أن هذه السنة طبعتها أربعة عناوين أساسية تتراوح بين استمرارية الانتظارية خصوصا ما يتعلق بالحياة المدرسية،إذ لا جديد على مستوى تغيير البرامج أو الحسم في الاختيارات البيداغوجية بعدما تخلت الوزارة عن بيداغوجيا الإدماج، والرغبة في الإصلاح خاصة ما يتعلق بالإشراك والتشاور وتنزيل بعض الأفكار الجديدة. ودعا ذ. شاكري إلى استحضار أربعة منطلقات أساسية لتحقيق الإصلاح الذي ننشده...
كمفتش تربوي وباحث في شؤون التربية والتكوين ما تقييمك لما تم داخل المنظومة خلال سنة 2014
على إثر متابعتي للمشهد التعليمي خلال سنة 2014، يمكنني اختزال رؤيتي الشخصية لحصيلة هذه السنة من خلال أربعة عناوين أساسية:
سنة التحرر من التصور الذي فرضه الوزير السابق، والذي كان يتميز بالفردانية المطلقة في صنع القرارات واتخاذها، مع تجميد معظم المشاريع لوضع قطيعة مع البرنامج الاستعجالي. لقد كانت سنة 2014 بالفعل سنة لاسترجاع الأنفاس، والتفكير في مستقبل المنظومة بهدوء أكبر وبشمولية أكثر.
سنة الانتظارية التي خيمت على الحياة المدرسية، فلا جديد على مستوى تغيير البرامج أو الحسم في الاختيارات البيداغوجية بعدما تخلت الوزارة (بطريقة ضمنية) عن بيداغوجيا الإدماج، لذلك ظل الفاعلون التربويون طيلة هذه السنة في حالة ترقب لتلمس ملامح الإصلاح الجديد. الانتظارية شملت أيضا مراكز التكوين، فلحد الآن لم تستطع الجامعات خلق مسالك مهنية لتزويد المراكز الجهوية للتربية والتكوين بطلبة يستجيبون لمواصفات ولوجها، ولحد الآن يعيش مركز مفتشي التعليم العطالة بعد إلغاء مباريات الدخول إليه لمدة سنتين متتاليتين والتراجع عن مشروع إدماجه مع مركز التوجيه والتخطيط التربوي.
سنة الإشراك والتشاور بعد أن اقتنعت الوزارة بأهمية إشراك الممارسين في الميدان في عملية الإصلاح، فنظمت لقاءات تشاورية امتدت من 28 أبريل إلى منتصف شهر يوليوز 2014، واستمرت عبر منتدى إلكتروني، وهي مبادرة تستحق التثمين، وفي نفس الوقت تستوجب التغذية الراجعة، ليقتنع المشاركون في هذه الاستشارات، بأن اقتراحاتهم ساهمت في توجيه عملية الإصلاح. كما شهدت هذه السنة لقاءات مماثلة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، وتنظيم لقاءات وندوات تخصصية ذات طابع علمي محض، ساهمت في إثراء النقاش بعيدا عن التجاذبات والمواقف الذاتية.
سنة التنزيلات لبعض الأفكار الجديدة، ومنها تفعيل المسالك الدولية للبكالوريا المغربية، وتكوين أطر إدارية بصيغة جديدة قد تحمل اسم "إطار متصرف تربوي" لتفعيل الإدارة التربوية والتخلي عن المعايير القديمة التي كانت الأقدمية العامة أهم مرجح لنيل المناصب الإدارية، كما أخذنا نتلمس ملامح مشروع المؤسسة بحلة جديدة/قديمة تعيد الاعتبار للمؤسسة التعليمية وللفاعلين فيها.
ما المشاريع التي كان من المفروض فتحها ولم يتم ذلك؟
في البداية لابد من استحضار بعض منطلقات الإصلاح الذي ننشده، وأراها موجهات أساسية لإنجاح أي رؤية استشرافية، أولاها، أنه إذا كان المتعلم هو محور العملية التعليمية التعلمية، فإن الأستاذ هو محور أي عملية للإصلاح، ولذلك فالأستاذ المغربي ينخرط إيجابا إذا ما تم الاعتراف بعمله وتحفيز أدائه وتحسيسه بالإنصاف، وإذا تمت مصاحبته بالتكوين والتوجيه بعيدا عن أساليب التخويف والتهديد، وإذا اقتنع بإرادة الإدارة في تفعيل القانون على الجميع للحد من السلوكات السلبية التي تطبع الساحة التعليمية، ثاني هذه المنطلقات هو ضرورة إعادة السلطة لكل المتدخلين في العملية التعليمية، (أقول السلطة التربوية وليس التسلط)، وذلك لتمكين الجميع من اتخاذ القرار في الوقت المناسب، فيجب أن يكون التلميذ محصنا من كل ابتزاز أو تعنيف ليعبر عن رأيه في طريقة ومضامين التدريس وأن يتحمل مسؤولية المشاركة في بناء الدرس، وأن يساهم في تفعيل الحياة المدرسية، وأن يمنح للأستاذ سلطة اتخاذ المبادرات التي يراها مناسبة لتحقيق الأهداف المسطرة وفق تعاقد واضح يرتقي بنا من المقاربة بالسيرورات إلى المقاربة بالنتائج، كما يتحتم منح السلطة للإدارة سواء منها المحلية (المؤسسة التعليمية) أو الإقليمية (النيابة) أو الجهوية (الأكاديمية) لتستطيع تفعيل القانون بنجاعة أكبر، ولتمكينها من آليات التحفيز والمحاسبة، من أجل تشجيع المجدين والمبادرين، ومؤاخذة غير الملتزمين بضوابط المهنة وأخلاقياتها.
ثالث هذه المنطلقات، هو أن نعيد الريادة للقيادة التربوية، لذا علينا أن نجعل من المدبر فاعلا تربويا، فنحن في حاجة إلى مدير تربوي ونائب تربوي ومدير أكاديمية تربوي، ولتحقيق ذلك لابد من تخفيف الأعباء عنهم وإعفائهم من مجالات تنسيهم هذه الدور بما في ذلك الإشراف على البناءات والتجهيزات وتمويل الداخليات والمطاعم. إن ما يعاب على الممارسة الحالية هو تهميش الفعل التربوي بل جعله تابعا للقرار الإداري، كما هو حال المفتشين التربويين الذين أصبحوا يسابقون الزمن لتغطية التفتيشات الصفية لكل الأساتذة المقيدين في لوائح الترقي، مما يفقد هذه العملية بعدها البيداغوجي التأطيري.
رابع هذه المنطلقات يعزز مبدأ الكيف بدل الكم، وعليه علينا إعادة النظر في الحيز الزمني اليومي والأسبوعي المخصص للمتعلم وللأستاذ، وفي البرنامج السنوي المثقل بالمعارف المرهقة، وبعدد المواد المبرمجة في المستويات التعليمية، وبنظام التقويم الذي أصبح هاجسا مجتمعيا وغاية تبرر كل الوسائل لبلوغها.
بناء على هذه المنطلقات يمكن أن نستخلص الملفات ذات الأولية التي يجب فتحها، والتي أرى أن الوزارة أكثر وعيا بها، وأكثر استيعابا لأهميتها في تطوير منظومتنا التعليمية.
ما قراءتكم لمشروع الوزير فيما يخص مدرسة 2030؟
الكل متفق على عملية التشخيص، وأغلبية المتدخلين تعي مكامن الخلل، لكن السؤال الذي يظل يؤرق الفاعلين التربويين، هو من أين نبدأ؟ وكيف ننزل مشاريعنا لتصل رسالتها الإجرائية إلى الفصل الدراسي دون تشويه أو تأويل؟
لقد اختارت وزارة التربية الوطنية لمشروعها الإصلاحي الجديد شعار "مدرسة جديدة من أجل مواطن الغد" وبناء على تسعة تدابير ذات أولية وهي التمكن من التعلمات الأساس، والتمكن من اللغات الأجنبية، ودمج التعليم العام والتكوين المهني وتثمين التكوين المهني، والكفاءة العرضانية والتفتح الذاتي، وتحسين العرض المدرسي، والتأطير التربوي، والحكامة، وتخليق المدرسة، والتكوين المهني: تثمين الرأسمال البشري وتنافسية المقاولة.
جديد هذا المشروع في نظري يتمثل في نقطتين أساسيتين هما بعده الاستراتيجي من خلال رؤيته إلى سنة 2030، على عكس المشاريع السابقة (الميثاق الوطني للتربية والتكوين 2000-2010، البرنامج الاستعجالي: 2009-2012، برنامج العمل متوسط المدى 2013- 2016)، مما يجعلنا نقطع مع الممارسات السابقة التي تربط أي مشروع بفترة الوزير، وتجعل من عملية الإصلاح عملية مزاجية وظرفية واستعجالية؛ والنقطة الثانية تتمثل في التركيز على التكوين المهني وإدماجه مع التعليم العام، وهي نقطة إيجابية تسجل للبرنامج نظرا لما حققه التكوين المهني من نجاحات في تأهيل خريجيه لسوق العمل.
ورغم ذك يجب أن ننتظر أجرأة هذه التدابير لنقف على نجاعة هذا الإصلاح، وقدرته على خلخلة الوضع الحالي الذي يحتاج إلى الانخراط الجماعي بإيجابية أكبر، وبأمل في قدرتنا على الإصلاح.